لم يكن أحد يعتقد أن صفع
شرطية تونسية لأحد بائعي الخضر ستجر على أمة بأكلها موجة من الاحتجاجات والمظاهرات
التي أسقطت أنظمة عمرت لسنوات، وتسببت في مقتل وجرح الآلاف من السكان وتدمير مدن
وقرى بأكملها في ما اصطلح عليه ب "الربيع العربي". كما لم يكن أحد يعتقد
أن سحق أحد بائع السمك محسن فكري من طرف شاحنة الأزبال بالحسيمة ستشعل فتيل
احتجاجات شعبية واسعة في مختلف مناطق المغرب تنديدا بهذا الجرم الشنيع.
ما بات يعرف ب "حادثة
طحن مو" بالحسيمة أعاد تحريك مياه الحراك الشعبي الراكدة منذ صعود حكومة
بنكيران للحكومة وانطفاء شمعة ما سمي ب"حركة 20 فبراير" التي كانت تقود
الاحتجاجات. والمسيرات الشعبية الضخمة التي تلت هذه الواقعة والشعارات الجريئة
التي رفعت في وجه الحكومة و"المخزن" أعادت الدفئ الشعبي والنضالي الى
الساحات العمومية وشوارع المدن المغربية خصوصا بالحسية –مسرح الجريمة- ومدن الريف
الشمالي للمغرب.
تزامنا مع هذه المظاهرات
الشعبية المنددة ب"الحكرة" من طرف "المخزن"، تصاعدت احتجاجات
الأطر المعطلة حاملي شواهد التدريس، او ما يعرف ب "10 الاف اطار تربوي"
ونفذت اشكالا نضالية، رغم أنها غير مسبوقة في تاريخ نضالات الاطر المعطلة بالمغرب،
إلا أنها وصفت با"لمستميتة"، حيث لحدود كتابة هذه السطور ما زال أطر
البرنامج الحكومي صامدون في معركة "الامعاء الخاوية" التي أعلنوا عنها
بعد استنفاذ جميع الاشكال الاحتجاجية الاخرى تزامنا مع أشغال قمة المناخ كوب 22
المنعقدة بنفس المدينة. ويراهن الاطر على التعاطف الدولي من طرف منظمات غير حكومية
وهيئات مشاركة في هذه القمة للترويج لقضيتهم العادلة، والضغط على حكومة بنكيران
الجديدة للاستجابة الفورية لها.
وفي نفس السياق –سياق الاحداث المتتالية عقب
حادثة محسن فكري - برزت واقعة أخرى بمدينة خنيفرة، أججت نار الغضب الذي يكتنف نفوس
رجال التعليم بالمدينة والمغرب عامة. يتعلق الأمر بالتصرف اللا تربوي لاحد
المفتشين بالاقليم، حيث تلفظ بعبارات شبيهة بتلك التي اشعلت فتيل الاحتجاجات
بالحسيمة وهي "كتب بدين مو" على وزن "طحن مو". وكانت الوقفة
التي نفذها رجال التعليم بالمدينة أمام مقر مديرية "خنيفرة بني ملال"،
وبدعوة من خمس نقابات، حلقة جديدة وساطعة في مسلسل الاحتجاجات القوية التي خاضها
رجال التعليم بالمغرب ضد الحكرة والاضطهاد. والمتمعن في الشعارات القوية التي رفعت
خلال هذه الوقفة سيلاحظ جرأة افتقدتها نضالات الموظفين منذ الربيع العربي وغضبا واضحا
لرجال التعليم على الوضع المزري الذي يقبع فيه القطاع.
وبين واقعة الحسيمة،
واعتصامات اطر 10 الاف اطار مصحوب باضراب عن الطعام، ووقفة رجال التعليم بخنيفرة،
يستشف بزوغ صحوة نضالية جديدة بدأت تلوح في الأفق، خصوصا في قطاع التعليم الذي يمر
هذا الموسم بأحلك أيامه.
وينتظر في الايام القادمة أن تزداد
شرارة هذه الاحتجاجات الشعبية عامة وفي
قطاع التعليم بالخصوص، واستغلال هذه الصحوة النضالية التي رسمتها واقعة الحسيمة
ليس فقط للمطالبة بمزيد من المكاسب، بل لاسترجاع تلك التي تم الانقضاض عليها من
طرف حكومة بنكيران في غفلة من الجميع كالحق في تقاعد مريح والتوظيف بدون قيود
وشروط.
وفي هذا الصدد خرجت اللجنة
الوطنية التحضيرية لتوحيد نضالات
المتضررين من السياسات العمومية كإطار جديد يهدف الى جمع شتات مختلف الهيئات
والاطارات الاخرى ورص صفوفها لتكوين جبهة نضالية موحدة وقوية للدفاع عن كافة
المتضررين من المخططات التخريبية للحكومة في قطاع الوظيفة العمومية. وتندرج تحت
سقف هذا الاطار الجديد تنسيقيات تمثل الطلبة المعطلون وكذا الموظفون الممارسون
ضحايا إملاءات البنك الدولي وسياسات الخوصصة التي تسعى اليها حكومة بنكيران في
قطاع التعليم.
وضربت اللجنة الوطنية
التحضيرية السالفة الذكر موعدا مع أول معركة نضالية من هذا النوع تزامنا مع قمة
المناخ كوب 22 بمراكش، حيث دعت كافة التنظيمات والهيئات سواء تلك المنضوية تحت لوائها
أو تلك التي تمثل باقي شرائح المجتمع، الى النزول يوم الاحد 13 نونبر 2013 الى
شوارع مراكش في مسيرة ينتظر أن تكون ضخمة وترسم ملحمة جديدة في تاريخ نضالات
الطبقات المستضعفة في المجتمع ضد وحشية الانظمة الامبريالية وسياسات البنك الدولي
التقشفية. وما سيزيد هذه المسيرة أهمية هو تزامنها مع قمة أممية يحضرها ازيد من 30
الف مهتم من مختلف انحاء العالم، ويتم تغطيتها من مختلف الفضائيات العالمية.
الاحتقان الذي تعيشه مجموعة
من القطاعات من بينها التعليم، الاجواء السياسية المشحونة التي تلت إعادة انتخاب
حكومة بنكيران، وما خلفته من تذمر كبير وسط الموظفين بالخصوص، واستمرار الدولة في
الهجوم على مزيد من مكتسبات الشغيلة آخرها "التوظيف بالعقدة" و
"قانون التعاقد"، لن يزيد الوضع إلاجتماعي لشرائح كبيرة من المجتمع
المغربي إلا احتقانا، مما ينذر بعودة فتيل الاحتجاجات الى الشارع، ما لم تتخذ
إجراءات مستعجلة لمعالجة الاختلالات وإعادة النظر في السياسات المتبعة خصوصا في
قطاعات حيوية كالتعليم. وإن كانت الحاجة ملحة ليفتح باب الحوار في وجه الشرائح
المتضررة من المجتمع والتراجع عن كل المخططات التي من شأنها تهديد التماسك والسلم
الاجتماعي الذي يصب في مصلحة الجميع، فالأولى قطع الطريق على من يستغل هذه المطالب
والقضايا الاجتماعية المحضة للزج ببلادنا واستقرارها في متاهات نحن في منآى عنها
ولن نرضى بها كشعب مغربي مسلم موحد ومسالم.
بقلم: HISPANISTA MOHAMED.